صعود الدول الذكية: هل تنتقل الادارة الحكومية الى انظمة مؤتمتة بالكامل؟

الدولة الذكية قد تجعل الخدمات أسرع، لكن السؤال الأهم يبقى:كيف نضمن أن تظل السلطة في يد الإنسان لا الخوارزمية؟

صعود الدول الذكية: هل تنتقل الادارة الحكومية الى انظمة مؤتمتة بالكامل؟

المقدمة:

شهد العالم خلال العقدين الاخيرين انتقالا متسارعا من نموذج الحكومة التقليدية القائمة على الاجراءات الورقية والهرميات الادارية الثقيلة، الى نموذج الحكومة الرقمية التي تعيد تصميم الخدمة العامة بوصفها رحلة مستخدم قابلة للقياس والتحسين المستمر.هذا التحول لم يعد هامشيا؛ فمتوسط مؤشر تطور الحكومة الالكترونية عالميا ارتفع من 0.6102 في 2022 الى 0.6382 في 2024، وهو ارتفاع يرتبط بتوسع الخدمات عبر الانترنت وتحسن الاتصال وتنمية القدرات البشرية الداعمة لها(United Nations,2024).لكن رقمنة الخدمات تعني غالبا تحويل المعاملة الى واجهة رقمية من دون تغيير منطق القرار ذاته، بينما تشير الدولة الذكية الى مستوى اعمق يقوم على تجميع البيانات من قطاعات متعددة وربطها بخوارزميات تحليل وتنبؤ لتوجيه السياسات، بل واحيانا لاتخاذ قرارات اجرائية بشكل تلقائي.

ومع تصاعد استخدام الخوارزميات في ادارة التعليم والصحة والقضاء والضرائب والامن، تظهر اسئلة تتعلق بالمسؤولية والعدالة والخصوصية، لا سيما حين تتحول الاداة من تحسين الخدمة الى اعادة تعريف من يمتلك سلطة القرار.من هنا يتمحور سؤال البحث حول ما اذا كانت الدول تتجه الى ادارة مؤتمتة بالكامل، ام الى نموذج هجين يعيد توزيع الادوار بين الانسان والالة ضمن مؤسسات الدولة. 

وتنطلق الورقة من اطروحة ان الدولة الذكية ليست مجرد تحديث تقني، بل تحول سياسي واخلاقي يعيد تشكيل علاقة الدولة بالمواطن عبر نقل جزء من السلطة من الاجراء الى الخوارزمية، ومن المعاملة الى الملف البياني بما يتطلب قواعد حوكمة وشفافية ومساءلة اكثر صرامة.وتكشف المؤشرات الدولية ان بعض الدول العربية اصبحت في طليعة هذا المسار؛ فقد سجلت السعودية ترتيبا سادسا عالميا في مؤشر EGDI 2024 بدرجة 0.9602، بينما جاءت الامارات في الترتيب الحادي عشر بدرجة 0.9533، ما يعكس ان المنطقة لا تكتفي برقمنة النماذج بل تسعى الى بنى بيانات ومنصات تشغيل واسعة النطاق(UN eGovKB,2024).

المحور الاول:من الدولة البيروقراطية الى الدولة الخوارزمية:منطق التحول وادواته

يستخدم مصطلح الدولة الذكية في الادبيات المعاصرة للدلالة على دولة تستند في ادارتها الى البيانات بوصفها مادة اولية للحوكمة، وتوظف الذكاء الاصطناعي والتحليلات المتقدمة لرفع كفاءة الخدمات وتوجيه السياسات وادارة المخاطر.وهذا يختلف عن الحكومة الالكترونية التي تركز غالبا على رقمنة واجهات الخدمة مثل نماذج الطلب والدفع والحجز والمتابعة؛ فالحكومة الالكترونية قد تنقل الاستمارة من الشباك الى الموقع، لكنها قد تبقي منطق القرار يدويا داخل المؤسسة، بينما تسعى الدولة الذكية الى اعادة هندسة العملية برمتها عبر تكامل قواعد البيانات، واتمتة مسارات الموافقة والتحقق، وادخال التحليل التنبؤي في قلب التخطيط والتنفيذ. 

تاريخيا، يمكن قراءة التحول في ثلاث طبقات متراكبة:اولا الادارة الورقية التي تقوم على ملفات متفرقة وسلاسل توقيع طويلة ترفع كلفة المعاملة وتزيد احتمالات الخطا والازدواجية؛ ثانيا الرقمنة التي توحد قنوات الخدمة وتتيح التتبع الالكتروني وتختصر زمن الانجاز؛ وثالثا التمكين الخوارزمي الذي يحول البيانات من سجل لاحق الى وقود فوري للقرار، بحيث تصبح الدولة قادرة على الرصد والقياس والاستجابة شبه اللحظية.وتظهر المنطقة العربية امثلة واضحة على انتقال الاهتمام من مجرد توفير الخدمة الى تقليص الورق واعادة بناء العمليات:فدبي، ضمن استراتيجية الحكومة بلا ورق، اعلنت خفض اكثر من 336 مليون ورقة وتوفير ما يزيد على 1.3 مليار درهم واكثر من 14 مليون ساعة عمل عبر الدوائر الحكومية، وهو ما يعكس انتقالا من النسخة الرقمية للمعاملة الى المعاملة المؤتمتة التي تعيد توزيع العمل داخل الجهاز الاداري نفسه(Dubai Media Office,2021;Digital Dubai,n.d.).وفي السعودية، يبرز حجم التشغيل الرقمي كاشارة الى ان المنصات لم تعد قنوات تواصل فقط بل بنى تشغيل للدولة؛ اذ تجاوزت معاملات منصة ابشر نحو 430 مليون معاملة في 2024 مع تقديم مئات الخدمات، وهو مقياس يدل على ان الدولة تبني ما يشبه نظام تشغيل للمواطن والمقيم(Saudipedia,2024).

 لكن الانتقال الى الدولة الذكية يتطلب بنية تقنية اعمق من واجهة تطبيق:فهناك حاجة الى قواعد بيانات موحدة ومعايير هوية رقمية موثوقة، وربط تشغيلي بين وزارات وهيئات متعددة لتقليل التكرار ومكافحة الاحتيال، مع بنى سحابية وطنية تضمن السيادة على البيانات وتتيح المرونة والتوسع، اضافة الى طبقة استشعار ومراقبة ذكية كاميرات، مجسات، انترنت اشياء، سجلات لحظية تغذي التحليلات التنبؤية.هنا تلعب البيانات الضخمة دور الوقود؛ فكلما ازدادت التغطية والدمج والجودة، ازدادت قدرة الدولة على اكتشاف الانماط:من سلوك المرور واستهلاك الطاقة الى مؤشرات الصحة العامة والتهرب الضريبي. 

وتبقى خلاصة هذا المحور ان الاتمتة تبدو ضرورة تشغيلية في عالم سريع ومعقد، لكنها تظل اختيارا سياسيا من حيث حدود التفويض للخوارزمية ومعايير الشفافية والاعتراض وحق المواطن في تفسير مفهوم للقرار.

المحور الثاني:الدولة الذكية في التطبيق:التعليم، الصحة، القضاء، والضرائب كنماذج حية

اذا كانت البنية التحتية للدولة الذكية هي الجهاز العصبي، فان قطاعات التعليم والصحة والقضاء والضرائب تمثل ساحات الاختبار التي يتضح فيها الفرق بين رقمنة الاجراء واتمتة القرار.في التعليم، تتحول المدرسة من فصل يدوّن فيه المعلم تقديرات عامة الى منظومة تتبع دقيقة لمسار الطالب عبر منصات تعلم وتقييم متصلة، بحيث تصبح البيانات التعليمية مادة للتشخيص المبكر والتخصيص.وتقدم التجربة السعودية مثالا على حجم هذا التحول؛ فالنشرة الرقمية الصادرة عن الجهة المنظمة للقطاع الرقمي توثق ان منصة مدرستي سجلت 7.2 مليار زيارة، ونحو 2.2 مليار اختبار، و6.4 مليار واجب، و537 مليون فصل افتراضي، ما يدل على ان التقييم والاشراف لم يعودا محصورين داخل المدرسة بل ضمن بنية رقمية قادرة على القياس الواسع(Digital Government Authority,2024). 

وعلى المستوى الايجابي، يتيح هذا الحجم بناء نماذج تعلم تكيفية تقترح مسارات دعم فردية وتكشف فجوات المهارات مبكرا وتساعد صناع القرار على توجيه الموارد، لكنه يفتح ايضا خطرا رمزيا وعمليا يتمثل في تحويل الطالب الى رقم داخل لوحة متابعة، بحيث تختزل القيمة التربوية في مؤشرات اداء قابلة للحوسبة، ويصبح الضغط التعليمي مرتبطا بما تقيسه الخوارزمية لا بما يحتاجه النمو الانساني.وفي الصحة، تتجلى الدولة الذكية في السجل الصحي الرقمي المتكامل وفي ادوات التشخيص المدعومة بالذكاء الاصطناعي وادارة الموارد.فمؤسسة الخدمات الصحية في الامارات اعلنت عن خطة لتحديث خدمات الاشعة تتضمن نشر حلول ذكاء اصطناعي للكشف عن سرطان الثدي، والسل الرئوي، والسكتة الدماغية، وهشاشة العظام، والكسور، وامراض الصدر، بهدف تسريع التقارير وتحسين نتائج المرضى(Emirates Health Services,2025).هنا يظهر سؤال المسؤولية الطبية بشكل حاد:حين يقترح النظام قراءة لصورة اشعة ثم يتبين خطؤها، من يتحمل المسؤولية، المطور ام المؤسسة ام الطبيب الذي اعتمد المخرجات؟ وتزداد حساسية السؤال مع تقارير تتحدث عن دقة مرتفعة تصل في بعض الخوارزميات الى حدود 99%في التشخيص، مع التشديد على ان دور الطبيب في التحقق يظل حاسما(Khaleej Times,2025).

اما في القضاء، فان التحول الذكي يأخذ شكلين:اول، اتاحة الخدمات القضائية رقميا على نطاق واسع بما يقلل الاحتكاك ويعزز الشفافية الاجرائية؛ وثان، ادخال التحليلات في قراءة الانماط مثل توزيع القضايا وازمنة الفصل ومؤشرات المخاطر.فوزارة العدل السعودية ذكرت ان منصة Najiz قدمت اكثر من 43 مليون خدمة في النصف الاول من 2024، وهو حجم يعكس انتقال القضاء من مؤسسة ورقية الى منصة خدماتية متصلة(Ministry of Justice,2024).غير ان العدالة المؤتمتة تثير اشكالا اخلاقيا حين تتحول الخوارزمية من تنظيم الملف وتحديد اولوية المعاملات الى التنبؤ بالحكم او بتقييم خطورة المتقاضين؛ فحتى لو بقي القاضي صاحب القرار النهائي، قد تمارس توصيات النموذج ضغطا خفيا عبر ما يسمى الانحياز الاوتوماتيكي حيث يميل البشر الى الثقة بالمخرجات الحاسوبية. 

وفي الضرائب، يظهر المسار الاكثر قربا من السيادة، لان الضريبة تمس علاقة الدولة بالاقتصاد وبالمواطن مباشرة.فالفوترة الالكترونية، حين ترتبط بمنصات الهيئة عبر واجهات برمجية وتحقق آلي، تفتح الباب لكشف التهرب مبكرا وربما لتسعير ضريبي ديناميكي يعتمد على نشاط شبه لحظي، كما توضح مراحل الربط والتكامل التي تستهدف دمج حلول الفوترة مع انظمة الهيئة(ZATCA,2023). 

ويمكن اضافة بعد امني واداري لهذه القطاعات يكشف درجة تغلغل الخوارزميات في العمل اليومي:ففي التعليم، تنتشر ادوات المراقبة الرقمية للامتحانات عن بعد، وتحليلات كشف الغش، وتوصيات المحتوى، وهي كلها تقنيات ترفع النزاهة نظريا لكنها توسع نطاق المراقبة داخل فضاء كان تقليديا خاصا بالمتعلم.وفي الصحة، لا يقتصر الذكاء الاصطناعي على قراءة الصور، بل يمتد الى ادارة قوائم الانتظار وتوقع الطلب على الاسرة والادوية وتوزيع الكوادر، ما يجعل قرارات من يحصل على الخدمة اولا عرضة لمنطق التحسين العددي اذا لم تضبط بمعايير انصاف واضحة.وفي القضاء، تتزايد مشاريع تحليل انماط الجريمة لتوجيه الدوريات او تحديد مناطق التركيز، وهو مجال يزداد فيه خطر تغذية النمو ببيانات تاريخية منحازة فتتكرر النتائج التمييزية.وفي الضرائب، يؤدي دمج الفوترة والبيانات الجمركية والمدفوعات الرقمية الى اقتراب الدولة من صورة المحاسبة المستمرة بدلا من الفحص السنوي، وهو تحول قد يرفع الامتثال ويقلل الاقتصاد غير المنظم، لكنه يوسع قدرة الدولة على الرصد الاقتصادي اللحظي.

وبذلك يتضح ان الدولة الذكية في التطبيق ليست مسارا واحدا، بل طيف يبدأ بالخدمة الرقمية وينتهي بسؤال جوهري:هل تدير الخوارزميات الاجراء فقط، ام انها تبدأ تدريجيا في تشكيل مضمون القرار العام عبر ما تنتجه من تصنيفات وتوقعات؟

المحور الثالث:مخاطر الدولة المؤتمتة ومستقبل الحكم:بين الكفاءة والرقابة

تتقدم الدولة المؤتمتة بوعد الكفاءة، لكنها تحمل مخاطر بنيوية تمس جوهر الحكم.اول هذه المخاطر هو الخصوصية في زمن الدولة الذكية:فحين تصبح الخدمات مترابطة عبر هوية رقمية وسجلات موحدة، يميل المواطن الى التحول من صاحب طلب الى موضوع ملف بيانات تتراكم حوله آثار رقمية في التعليم والصحة والضرائب والتنقل.هذا الدمج قد يخفض الاحتيال ويُحسن الاستهداف، لكنه يرفع ايضا مخاطر التتبع المفرط وتسريب البيانات وتجاوز مبدأ التناسب، خصوصا اذا انتقلت الدولة من جمع البيانات لغرض الخدمة الى استخدامها لاغراض اخرى من دون موافقة ومعايير واضحة. 

الخطر الثاني هو الانحياز الخوارزمي:فالنماذج تتعلم من الماضي، واذا كان الماضي يحمل تمييزا او تفاوتا في تطبيق القانون او في فرص التعليم والصحة، فقد تعيد الخوارزمية انتاجه بشكل محايد ظاهريا لكنه غير عادل عمليا.لذلك تعد الشفافية والمساءلة حجر الزاوية؛ فمن يحاسب اذا اخطأت الخوارزمية، او اذا ادى تصنيف آلي الى حرمان فرد من خدمة او وضعه تحت تدقيق مكثف؟ التقارير الدولية تشير الى ان بناء ادوات شفافية فعالة في القطاع العام مسار معقد يتطلب ادوات استباقية مثل سجلات علنية للانظمة الخوارزمية، وبطاقات تفسير للغرض والبيانات، وعمليات تقييم اثر على الحقوق، وليس مجرد نشر مبادئ عامة(OECD,2025).كما تقدم اطر حكومية عملية مثل اطار الاخلاقيات والشفافية والمساءلة للقرارات المؤتمتة نموذجا لكيفية الزام الجهات بتحديد الغرض، واختبار العدالة، وتوثيق القرار، وتوفير قنوات اعتراض مفهومة للمواطنين(UK Government,2023).

خطر ثالث يتمثل في تركيز السلطة:فكلما ازداد اعتماد الدولة على منصات موحدة وخوارزميات مركزية، زادت قابلية التحول الى نظام رقابة شامل، حيث تصبح القدرة التقنية على الرصد والتنبؤ بديلا مغريا عن الحوار السياسي ومعالجة الاسباب الاجتماعية.ولا تقل مخاطر الامن السيبراني اهمية؛ فكلما تحولت الدولة الى منصات رقمية مترابطة، اصبحت الاخطاء البرمجية او الاختراقات قادرة على تعطيل خدمات حيوية او تسريب بيانات حساسة على نطاق واسع، وهو ما يجعل الاستثمار في الحماية والاستجابة للحوادث جزءا من القدرة السيادية لا مجرد بند تقني.كذلك تظهر مخاطر الاعتماد على مزودين تقنيين بعينهم عبر عقود طويلة ومعايير مغلقة، بما قد يقيد استقلالية القرار العام ويصعب تدقيق النماذج ومصادر البيانات.ومن زاوية العدالة الاجتماعية، قد تعمق الدولة الذكية الفجوة الرقمية اذا لم ترافقها سياسات شمول رقمي، لان من لا يمتلك هوية رقمية فعالة او اتصالا مستقرا او مهارات استخدام سيجد نفسه خارج الخدمة او تحت تصنيف غير ممتثل.لذلك تقترح ادبيات المساءلة الخوارزمية حزمة اليات تكمل بعضها:تدقيقات مستقلة، الافصاح عن الاغراض والبيانات، تقييمات اثر على الحقوق، ومسارات تظلم تمكن الفرد من فهم القرار والاعتراض عليه، مع ادوات متابعة عامة تعزز الثقة(Open Government Partnership,2021). 

وعلى مستوى السيناريوهات، يمكن تصور ثلاثة مسارات:دولة مؤتمتة بالكامل تترك للانظمة مساحة واسعة لتحديد الاستحقاق والمخاطر؛ ودولة هجينة تدمج الذكاء الاصطناعي كاداة قرار داعمة مع بقاء الانسان مسؤولا عن القرار النهائي وقابلا للمساءلة؛ ومسار ثالث تقوده مقاومة اجتماعية وقضائية تعيد للانسان مركز القرار عبر فرض حدود على التفويض الخوارزمي ورفع متطلبات الشفافية والاعتراض.

الخاتمة

تخلص هذه الورقة الى ان الدولة الذكية ليست مجرد مرحلة لاحقة من الحكومة الالكترونية، بل اعادة صياغة لمعادلة الحكم عبر نقل جزء من السلطة من الاجراء البشري الى النظام الخوارزمي.فحين تتكامل قواعد البيانات وتنتظم التدفقات الرقمية في التعليم والصحة والقضاء والضرائب، تتسارع الخدمات وتتحسن القدرة على القياس والتخطيط، كما تظهره تجارب عربية في تقليص الورق وتوسيع المنصات ورفع مؤشرات الجاهزية الرقمية.غير ان هذا المكسب لا يأتي بلا ثمن:فالدمج البياني يوسع امكانات الرصد ويجعل الخصوصية قضية حكم، والانحياز الخوارزمي قد يحول التمييز الاجتماعي الى نتيجة حسابية، وغياب الشفافية قد يخلق دولة فعالة لكنها غير قابلة للمساءلة. 

لذلك فان الاجابة عن سؤال البحث تميل الى ان المستقبل الاقرب ليس ادارة مؤتمتة بالكامل، بل نموذج هجين، تتولى فيه الخوارزميات اعمال الفرز والتحقق والكشف المبكر وتحسين تدفق الموارد، بينما يبقى القرار الذي يمس الحقوق والاستحقاق والعقوبة خاضعا لمسؤولية بشرية واضحة قابلة للتدقيق والطعن.وبعبارة اخرى، المطلوب ليس دولة بلا بشر، بل دولة تستخدم الذكاء الاصطناعي من دون ان تتنازل عن المسؤولية الانسانية:عبر حوكمة بيانات صارمة، وتقييمات اثر على الحقوق، وسجلات علنية للانظمة المؤتمتة، وحق تفسير مفهوم للمواطن، وقنوات اعتراض فعالة.وتدل خبرات الحوكمة الدولية على ان ادوات مثل الشفافية الخوارزمية والافصاح الاستباقي وتوثيق النماذج وتدقيقها ليست ارفا تنظيريا، بل شرطا لبناء ثقة عامة تمنع تحول الكفاءة الى رقابة(OECD,2025;UK Government,2023).

 ويبقى سؤال مفتوحا يختبر جوهر التحول:في الدولة الذكية، من يكتب القواعد التي تحكمنا فعلا، هل هو البرلمان الذي يشرع ويوضح الحدود، ام الخوارزمية التي تترجم القواعد الى تصنيفات وتوقعات قد تصبح، تدريجيا، هي القانون غير المرئي؟

 

الوسائط والمرفقات

الفيديوهات (1)
التحميلات
صعود الدول الذكية_ هل تنتقل الادارة الحكومية الى انظمة مؤتمتة بالكامل؟.pdf
154.7 KB