البحر الاحمر ساحة نفوذ: لماذا مدد الاتحاد الاوروبي مهمته البحرية؟

تمديد الاتحاد الأوروبي لمهمته في البحر الأحمر يؤكد أن أمن الملاحة لم يعد استجابة مؤقتة للأزمات، بل أداة نفوذ دائمة لإدارة المخاطر والتحكم بكلفة العبور والتجارة العالمية.

البحر الاحمر ساحة نفوذ: لماذا مدد الاتحاد الاوروبي مهمته البحرية؟

قرار مجلس الاتحاد الاوروبي تمديد عملية اسبيدس(وهي مهمة بحرية عسكرية اطلقها في البحر الاحمر مطلع عام 2024 لحماية السفن التجارية من الهجمات، ضمن اطار السياسة الامنية والدفاعية المشتركة)حتى 28 فبراير 2026، مع مبلغ مرجعي يتجاوز 17 مليون يورو، ليس تفصيلا اداريا، بل اشارة سياسية واقتصادية واضحة في قلب ازمة البحر الاحمر التي تؤثر مباشرة على التجارة العالمية وسلاسل الامداد.فقد ربط المجلس هذا التمديد بمراجعة استراتيجية شاملة للعملية، ثم اضاف بعدا جديدا وموسعا يتمثل في السماح بجمع معلومات لا تقتصر على حماية السفن التجارية، بل تمتد الى رصد تهريب السلاح ونشاط ما يعرف بـ اساطيل الظل، بهدف مشاركة هذه المعلومات مع دول الاتحاد الاوروبي، والمفوضية الاوروبية، وجهات دولية متخصصة مثل مكتب الامم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، والمنظمة الدولية للشرطة الجنائية(الانتربول)، ووكالة الشرطة الاوروبية(يوروبول)، والمنظمة البحرية الدولية(Council of the European Union,2025).

هذا التوسيع في مهام العملية يعني بوضوح ان اسبيدس لم تعد مجرد مهمة مرافقة دفاعية للسفن العابرة، بل تحولت الى منصة مراقبة وادارة معرفة امنية في ممر بحري بات جزءا من صراع دولي على قواعد المرور، ومستويات التهديد، وتكلفة التامين البحري.وتتضح اهمية هذا التمديد اكثر عندما نضع عملية اسبيدس ضمن مشهد تحالفات امنية متنافسة تعمل في البحر الاحمر والممرات المجاورة.فقد اختار الاتحاد الاوروبي صيغة دفاعية خالصة للعملية، تركز على حماية السفن ومرافقتها وتعزيز ما يسمى الوعي البحري بالمجال العملياتي، مع التاكيد الصريح على عدم تنفيذ اي ضربات عسكرية على البر، والعمل وفقا لقرار مجلس الامن رقم 2722، الذي يطالب بوقف الهجمات على السفن ويقر بحق الدفاع عن الملاحة وفقا للقانون الدولي(European External Action Service,2025).

هذا التوجه يميز اسبيدس عن مقاربات اخرى اعتمدت في بعض المراحل ردعا هجوميا، ويمنح بروكسل مساحة سياسية للقول انها تحمي حرية الملاحة دون الانزلاق الى حرب اقليمية اوسع.غير ان هذه الدفاعية لا تعني حيادا كاملا؛ لان قرارات مثل تحديد السفن التي تحظى بالحماية، وكيفية توزيع موارد المرافقة، وطريقة تصنيف مستويات المخاطر، هي قرارات ذات اثر سياسي واقتصادي مباشر على السوق.ففي يونيو 2025، قال قائد عملية اسبيدس ان حركة السفن في البحر الاحمر ارتفعت بنسبة 60%منذ اغسطس 2024 لتصل الى 36–37 سفينة يوميا، لكنها بقيت دون مستويات ما قبل الهجمات التي كانت تتراوح بين 72 و75 سفينة يوميا.واشار ايضا الى ان العملية رافقت 476 سفينة حتى ذلك التاريخ، وان الموارد المتاحة لا تتجاوز غالبا سفينتين الى ثلاث سفن حربية في الوقت نفسه، الامر الذي يخلق تاخيرات قد تصل الى اسبوع كامل للشركات التي تطلب الحماية(Reuters,2025).

هنا يتحول التحالف البحري الى عامل اقتصادي مباشر:فكل نافذة مرافقة تعني تقليل مستوى المخاطرة، وكل تاخير يعني كلفة زمنية وكلفة استهلاك سعة الاسطول، وهذه العوامل مجتمعة تعيد تشكيل اسعار الشحن وقرارات المرور، سواء عبر قناة السويس او عبر الالتفاف حول راس الرجاء الصالح في افريقيا.

اما المعنى الاهم سياسيا، فهو ان حماية التجارة باتت اداة نفوذ واضحة تعمل عبر ثلاث قنوات مترابطة.القناة الاولى هي قناة التامين:فخفض الخطر المدرك يؤدي الى خفض اقساط تامين مخاطر الحرب، بينما يؤدي ارتفاع التهديد الى اعادة تسعير الرحلة بالكامل، وبالتالي فان الجهة القادرة على ادارة مستوى التهديد تملك قدرة غير مباشرة على التحكم في فاتورة التجارة العالمية.القناة الثانية هي قناة القواعد والتنظيم:فعندما يعلن الاتحاد الاوروبي انه سيجمع معلومات عن اساطيل الظل وتهريب السلاح ويشاركها مع شبكات شرطية ودولية، فهو يربط امن الملاحة بملفات العقوبات الدولية وتدفقات الطاقة والالتفاف على القيود، اي انه يوسع مفهوم الحماية من السفينة ذاتها الى النظام التجاري العالمي ككل(Council of the European Union,2025).القناة الثالثة هي قناة الشرعية السياسية:اذ يقدم الاتحاد الاوروبي عملية اسبيدس بوصفها تجسيدا لفكرة الاستقلالية الاستراتيجية الاوروبية والقدرة على التحرك السريع مع شركاء متقاربين، ما يعني دخولا في منافسة ناعمة على من يقود تعريف الامن البحري وقواعده في الممرات العالمية(European External Action Service,2025).

خلاصة هذا التمديد انه يثبت تحولا بنيويا:امن الملاحة لم يعد مجرد حماية سفن، بل اصبح منظومة حوكمة مخاطر وتحالفات وانتاج معرفة، تمتد من البحر الى سوق التامين، وصولا الى شبكات العقوبات الدولية.ويبقى السؤال مفتوحا بعد 28 فبراير 2026:هل تنجح اوروبا في تحويل عملية اسبيدس الى نموذج لحماية الممرات البحرية دون تصعيد عسكري، ام ان تعدد التحالفات وتسييس التهديد سيبقي قواعد المرور والتامين مرهونة بموازين القوة السياسية لا بالقانون الدولي وحده؟

 

الوسائط والمرفقات

الفيديوهات (1)
التحميلات
البحر الاحمر ساحة نفوذ_ لماذا مدد الاتحاد الاوروبي مهمته البحرية؟.pdf
78.6 KB