الترند السياسي: كيف يتحوّل موضوع شائك إلى ميم ثقافي؟

حين تختصر السياسة في ميم، ينتشر الراي اسرع مما ينضج.

 الترند السياسي: كيف يتحوّل موضوع شائك إلى ميم ثقافي؟

لم يعد النقاش السياسي اليوم محصورًا في المقالات الطويلة او المناظرات التلفزيونية.في زمن المنصات، يمكن لصورة واحدة مع جملة ساخرة ان تختصر ملفًا معقدًا، وتحوّل موضوعًا شائكًا الى“ميم”ينتشر خلال ساعات.هذا التحول لا يعني ان الناس صاروا اقل اهتمامًا بالسياسة، بل يعني ان السياسة نفسها انتقلت الى لغة جديدة:لغة الاختزال والايقاع السريع.الميم السياسي يعمل كوسيط ثقافي بين الخبر والجمهور؛ فهو لا يعرض الواقعة فقط، بل يقترح طريقة جاهزة لفهمها:من هو المخطئ؟ من هو الضحية؟ ما الذي ينبغي السخرية منه؟ وما الذي يستحق الغضب؟

قوة الميم تأتي من انه يبني“وعيا سريعا”، لكنه يفعل ذلك عبر ادوات تبسيط حادة.اول هذه الادوات هو التاطير:الميم يختار زاوية واحدة ويجعلها هي القصة كلها، فيُبرز تفصيلا ويخفي سياقًا.وثانيها الاستثارة العاطفية:الضحك، الغضب، الاستفزاز، او الحنين؛ وهي مشاعر ترفع احتمالية المشاركة وتمنح المتلقي شعورا فوريا بالانتماء لمعسكر.وثالثها التكرار:عندما تتكرر صورة او قالب ساخر، يصبح مثل“قالب تفسير”جاهز، فيتحول من نكتة الى عدسة يرى الناس عبرها الاحداث.ومع كل مشاركة، يبدو الراي كأنه اجماع، حتى لو كان في الحقيقة مجرد صدى لخوارزمية تفضل ما يثير التفاعل.

لكن الميم لا يكتفي بالتبسيط؛ بل يمكنه تعزيز روايات سياسية بعناية، احيانا دون ان يظهر كدعاية مباشرة.السخرية تمنح الرسالة حصانة:اذا وُوجه صاحبها بالنقد، يجيب:“مجرد مزحة”.هذه“الانكار السهل”تجعل الميم اداة فعالة لتطبيع اتهام، او تسويق شك، او تثبيت صورة نمطية عن طرف سياسي.كما ان الميمات تستطيع نقل رسائل مركبة عبر رموز صغيرة:لقطة وجه، حركة يد، او جملة مقتطعة؛ فتتحول السياسة الى مسابقة“من يملك الصورة الاقوى”، لا من يملك الحجة الافضل.وهنا يظهر خطر واضح:الميم قد يسبق الحقيقة، ويصنع انطباعًا قبل ان تتضح الوقائع، ثم يبقى الانطباع حتى لو تغيرت التفاصيل لاحقا.

مع ذلك، ليس دور الميم سلبيًا بالكامل.احيانا يساعد الميم في كسر رهبة السياسة، وجعل قضايا كانت نخبوية اقرب للناس، وفتح باب مشاركة شبابية في الشان العام.المشكلة ليست في الميم كوسيلة، بل في تحوله الى بديل عن الفهم.حين يصبح الراي السياسي مجرد“رد فعل سريع”، يتراجع السؤال الاصعب:ما السبب؟ ما الدليل؟ ما البدائل؟ لذا يمكن القول ان الميم يبني وعيا بالفعل، لكنه وعيٌ قابل للتسطيح، سريع التبدل، وسهل التوجيه.

في النهاية، الميمات تصنع رايًا عندما تمنحنا تفسيرًا بسيطًا ومشاعر جاهزة في وقت قصير.والسؤال الذي يبقى مفتوحًا:هل نستخدم الميم كبوابة اولى للفهم ثم نعود للمصادر والسياق، ام نكتفي بالصورة ونسمّي ذلك موقفًا سياسيًا؟

 

الوسائط والمرفقات

الفيديوهات (1)