أدّت الهجمات في البحر الأحمر منذ أواخر 2023 إلى تحويل أحد أهم ممرات التجارة العالمية إلى منطقة صراع مفتوح، إذ كانت نحو 12%من تجارة العالم تمر عبر هذا الطريق قبل الأزمة، ما جعل أي تعطّل—ولو جزئي—يتحول فورًا إلى صدمة في سلاسل التوريد وأسعار السلع والطاقة.
أول الضربات جاءت من التأمين البحري؛ فالتغطية التي كانت تُحتسب بنسبة 0.1%من قيمة السفينة قفزت إلى 1–2%، وارتفع تأمين البضائع من 0.6%إلى قرابة 2%، ما يعني أن كل رحلة أصبحت تحمل آلاف الدولارات الإضافية في التكلفة، ويُعاد تمريرها مباشرة إلى المستهلك عبر موجة تضخم مستورد تضرب الأسواق المعتمدة على الواردات الغذائية والطاقية.
ومع تصاعد المخاطر، فضّلت شركات عديدة الهروب نحو رأس الرجاء الصالح بدل المرور عبر باب المندب، فارتفع الالتفاف بنسبة 74%، وتحوّلت الرحلة إلى عبور أطول بـ 10–14 يومًا، وزاد وقت الإبحار بنحو 50%، ما تسبب في تباطؤ التسليم وزيادة حرق الوقود، وأدّى في النهاية إلى نقص في الحاويات وانخفاض في القدرة التشغيلية لأسطول النقل العالمي بنحو 20%.
هذا الاختناق الزمني والمالي جعل أكبر ثلاث شركات شحن عالميًا—التي تشكل نصف طاقة الأسطول التجاري—تتردد في العودة الكاملة إلى البحر الأحمر رغم محاولات التهدئة، لأن أي اضطراب جديد سيحوّل الربح إلى مخاطرة ويفقد التسعير استقراره.
وبموازاة ذلك، ظهرت لغة جديدة في الجغرافيا الاقتصادية:دول كبرى تطرح طرقًا بديلة تقلل الاعتماد على البحر الأحمر وقناة السويس، أبرزها مشروع الربط الهندي–الخليجي–الأوروبي القائم على نقل البضائع بحرًا من الهند ثم برًا عبر الخليج وصولًا للمتوسط، لكنه لا يزال مقترحًا سياسيًا لم يدخل التشغيل التجاري، فيما تتوسع دول خليجية في إنشاء شبكات نقل بري وسككي داخلية لكنها لا تشكّل حتى الآن بديلًا واسعًا للتجارة البحرية.
بمعنى آخر، الأزمة لا تعيد رسم طريق سفن فقط، بل تعيد توزيع النفوذ، وتغيّر موازين التكلفة، وتجبر العالم على إعادة تقييم سلاسل التوريد.ما يحدث ليس حدثًا عابرًا، بل تحوّل طويل الأجل في جغرافيا التجارة وأسعار العالم.
لقراءة الورقة التحليلية الكاملة، يُرجى التمرير إلى الأسفل.

التعليقات